السنوار شهيدًا- دافع للتصعيد الإسرائيلي وخطر يهدد المنطقة

المؤلف: أحمد الحيلة10.05.2025
السنوار شهيدًا- دافع للتصعيد الإسرائيلي وخطر يهدد المنطقة

لقد ارتقى يحيى السنوار شهيدًا في قلب المعركة، مواجهًا ببسالة وشجاعة لا تعرف التراجع، فكان استشهاده بمثابة شوكة في حلق الاحتلال الصهيوني وقادته المتغطرسين، إذ حرمهم من تحقيق صورة النصر الزائفة، ومزق أوهام الردع التي بنوها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وألحق هزيمة مذلة بجيشهم الذي طالما تغنوا بأنه لا يقهر.

لقد كان السنوار، في حياته وبعد استشهاده، سببًا جوهريًا في تحطيم الصورة النمطية لإسرائيل كدولة أسطورية لا تُقهر، وبرهانًا حيًا على قدرة الإنسان على الانتصار على القوة المادية الغاشمة بعزيمته الصلبة وحبه العميق للحرية والانعتاق، مُتجاوزًا بذلك قيود العجز والاستسلام التي فرضتها المعايير المادية التي أنتجتها الثقافة الغربية.

لقد رحل السنوار، ولكن غزة الأبية ما زالت تقاوم ببسالة بعد مرور عام كامل من الدمار والقتل الوحشي، وما زالت معالم الصمود الأسطوري ومعارك الشرف والعزة تملأ ساحات غزة وتسطر أروع البطولات.

شهوة التصعيد الجامحة

يتوهم المحتلون بقتلهم للسنوار أنهم قد اقتربوا من تحقيق النصر الحاسم، غير مدركين أن قادتهم الفاشيين، مجرمي الحرب، يجهلون أن الشهادة في نظر العرب والمسلمين هي وسام إلهي رفيع لا يناله إلا صفوة الخلق. وعلى الرغم من الحزن العميق والألم الإنساني الذي يعتصر القلوب، إلا أنهم يرون في الشهادة منارة تضيء الدروب ودافعًا قويًا للتقدم إلى الأمام لا التراجع إلى الخلف، وأن للشهيد أمانة غالية تتوارثها الأجيال جيلًا بعد جيل.

إن سوء فهم الاحتلال لقيمة الشهادة العظيمة وأثرها البالغ في نفوس المقاتلين الأبطال والشعوب المتعطشة للحرية قد يدفع بأمثال بنيامين نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل إلى الشعور بالنشوة الزائفة والوهم بالاقتراب من تحقيق النصر المزعوم.

وقد يشكل لهم ذلك حافزًا أكبر لرفع سقفهم السياسي إلى مستويات غير مسبوقة مع الفلسطينيين، من خلال التطلع إلى احتلال كامل لقطاع غزة وضم الضفة الغربية وتهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وإغلاق جميع أبواب التفاوض والمسارات السياسية التي يمكن أن تساهم في وقف الحرب والعدوان المستمر على الضفة وغزة.

وفي السياق ذاته، قد يدفعهم سوء التقدير الفادح أيضًا إلى السعي لتغيير موازين القوى مع حزب الله في لبنان بعد تمكنهم من اغتيال السيد حسن نصر الله، وعدد من القيادات البارزة في الحزب. لينتقلوا من مجرد هدف إعادة المستوطنين النازحين إلى شمال فلسطين، إلى المطالبة بتغيير الخارطة السياسية اللبنانية الداخلية، من خلال ملء الفراغ السياسي المتوهم المبني على حسم عسكري مع حزب الله، إما بنزع سلاحه بشكل كامل أو إجباره على الانسحاب من جنوب نهر الليطاني بعد تدمير قدراته وإمكاناته العسكرية، والإضرار ببيئته الشعبية الحاضنة.

وبناءً على ذلك، فإن شهوة إسرائيل واندفاعها نحو التصعيد العسكري ستزداد حدة مع كل من غزة ولبنان ومع إيران واليمن والمقاومة الإسلامية في العراق، وذلك حتى وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض واستلامه مقاليد السلطة في الشهر الأول من العام القادم 2025. إذ تسعى إسرائيل جاهدة لإنجاز أكبر قدر ممكن من المكاسب وفرض واقع جديد على أية إدارة أميركية جديدة قادمة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.
فإذا كانت كامالا هاريس، الديمقراطية، سيدة البيت الأبيض، فمن غير المرجح أن تبدأ ولايتها بالتصادم المباشر مع إسرائيل، وقد تلجأ إلى تبني نهج الرئيس بايدن مع إدخال بعض التغييرات الشكلية لتحقيق أهداف إسرائيل في السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال آليات سياسية مبنية على ما حققه الاحتلال عسكريًا على أرض الواقع، لا سيما في ظل استسلام السلطة الفلسطينية للأمر الواقع المرير.

أما إذا وصل الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، فليس من المستبعد أن يعمل على تحقيق حلم إسرائيل في توسيع حدودها الجغرافية خارج حدود فلسطين التاريخية، خاصة أنه أشار في وقت سابق إلى صغر مساحة دولة إسرائيل جغرافيًا، مبديًا تعاطفه معها لتوسيع حدودها وطموحاتها التوسعية.

وهذا يتلاقى بشكل كبير مع تطلعات اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو وحلفائه المتشددين، مثل وزير الأمن القومي بن غفير ووزير المالية سموتريتش الذي ظهر في فرنسا، مارس/ آذار 2023، بخارطة لإسرائيل تضم فلسطين والأردن، الأمر الذي أثار حفيظة الأردن بشدة، وأصدرت وزارة الخارجية الأردنية بيانًا شديد اللهجة تعبر فيه عن اعتراضها واستنكارها الشديدين على وقاحة الوزير المتطرف.

إن خيارات الاحتلال الصهيوني تتعزز أو تضعف تبعًا لقدرة اليمين المتطرف على تحقيق إنجازات عسكرية ميدانية ملموسة في فلسطين ولبنان والمنطقة بأسرها قبل وصول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض.

فهم يسعون جاهدين لفرض واقع جديد بالقوة العسكرية المفرطة على الدول العربية، ودفع أية إدارة أميركية قادمة إلى التعامل مع ما تم إنجازه على الأرض، وهو ليس بغريب عن ثقافة "الكاوبوي" الأميركية التي تؤمن بالقوة الغاشمة كأداة لصناعة المعادلات السياسية وتحقيق المكاسب.

يُرجّح بقوة أن إسرائيل بقيادة نتنياهو واليمين المتطرف ستعمل خلال الأشهر القادمة على حسم الصراع عسكريًا مع حركة حماس وحزب الله في لبنان لإقناع الإدارة الأميركية الجديدة بتبني رؤية إسرائيلية تقوم على احتلال كامل لقطاع غزة وضم الضفة الغربية، وحتى السيطرة على جنوب لبنان إذا ما سنحت لهم الفرصة.

الخروج من دائرة الصمت المطبق

هذا الواقع المرير يفرض على الفلسطينيين واللبنانيين والعرب كأمة واحدة الوقوف صفًا واحدًا وبقوة في مواجهة إسرائيل؛ لأنها تمثل خطرًا حقيقيًا ومؤكدًا يهدد فلسطين والمنطقة بأسرها ومصالح شعوبها. ومن يظن واهمًا أن الأزمة محصورة في فلسطين وحدها، وأنه في مأمن من شرورها، فهو مخطئ. فإسرائيل كانت وستبقى مشروعًا استعماريًا غربيًا خبيثًا قائمًا على مصادرة حقوق العرب واستغلال مقدراتهم، ولن تتوانى عن التوسع جغرافيًا ما دامت ترى الضعف والانقسام في صفوف العرب، أنظمة وشعوبًا، وهو الضعف الذي شجعها على ارتكاب إبادة جماعية مروعة في غزة دون رادع أو خشية من أي مساءلة.

إن الإدارة الأميركية، كما هو حال أغلب الأنظمة الغربية، تؤمن إيمانًا راسخًا بمبدأ القوة كأداة حاكمة للعملية السياسية ومخرجاتها. والتجربة المأساوية في غزة هي خير شاهد على ذلك، حيث تم تحييد العالم والمنظومة الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة، وتغييب دور الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، لصالح فكرة الحسم بالقوة العسكرية الغاشمة دون أدنى اكتراث بحياة الإنسان وكرامته.

وما دامت واشنطن ترى في تغييب الأنظمة والأمة العربية عن دورها السياسي والأخلاقي المحوري أمرًا ممكنًا، فليس من المستبعد أن تعمل أية إدارة أميركية جديدة على تحقيق طموحات إسرائيل الجامحة في التوسع والسيطرة. فمن فرض وجود إسرائيل عام 1948، في الوقت الذي كان العرب يتمتعون فيه بعافية وقوة ولو محدودة، لن يتردد في فرض إسرائيل الكبرى ما دام أن العرب يعانون من الفرقة والانقسام والانكفاء على الذات القُطرية الضيقة التي صنعها الاستعمار البغيض.

إن الأقوياء المتغطرسين الذين يتسمون بالتوحش والأنانية المفرطة لا يمكن التعويل على قيمهم وإنسانيتهم؛ لأن قوتهم الزائفة قائمة على امتصاص دماء الشعوب ونهب خيراتها وثرواتها. ومجدهم المزعوم مبني على التوسع والسيطرة والهيمنة، وإسرائيل هي خير نموذج لهذا النمط من القوى الشريرة، فهي رأس جسر وحربة مسمومة لمشروع غربي استعماري لاهوتي مصمم لنهش جسد المنطقة وتقطيع أوصالها وسلب خيراتها وثرواتها.

إن استمرار الصمت العربي المخزي والتظاهر بعدم الاكتراث واستمرار الخذلان الذي تعيشه غزة قد يفتح شهية إسرائيل على مزيد من الهيمنة الاستعمارية المدعومة من الغرب وعلى رأسه أميركا، الأمر الذي يجعل الحاجة ملحة وأكثر من ضرورية لمغادرة دائرة الصمت والخذلان والأنا القُطرية الضيقة، حماية لفلسطين والقدس والأقصى، وحماية للأمة العربية ومقدراتها وثرواتها. فإسرائيل أصبحت تلعب على المكشوف دون أي رادع أو قيود، متجاوزة بذلك كل القوانين والأعراف والقيم السياسية والأخلاقية الإنسانية عبر قوّتها المتوحشة الغاشمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة